صحراء نيوز - سيدي افني
أسندت ضهري على الهيكل الحديدي البارد لسيارة الأمن ، كان الجو قارسا تلك الأيام ، أحسستني أسدا جريحا ومقيدا ، كنت متعبا من قلة النوم ، و كثرة السفر ، أحسست لحظتها بتعب عقدين من الزمن يرخي علي بكلكله . كما أحسست بسكين الغدر يطعنني مرة أخرى من حيث لا أحتسب ! جلت بنظري في محيط القفص الذي أوجد فيه وحدي مقيدا …. وإن كان معي رجل أمن ! فهو معهم وليس معي …. رأيت كاميرا مراقبة أعلى الباب المغلق ، كانت صغيرة و دقيقة ،تحتل مساحة لا تكاد تظهر ، مصوبة ناحيتي ! شاشتها توجد في الأمام بجانب مرافق سائق الناقلة ، و صافرة الإنذار مازالت مستمرة في عويلها المزعج ، إنها المسطرة ! هذا ماقاله السائق ! كنت أسترق النظر مرات الى الخارج من خلال النافذة الأمامية ، و أتذكر مئات المرات التي قطعت هاته الطريق حرا ، كنت حينها سائق سبيلي الحر ، أما الآن فأنا مصفد يد واحدة كبهيمة مربوطة من رجلها ، يجرها جزار الى مذبح الخيانة كي يسفك دمها قربانا لشيطان يرتب تفاصيل حكمه كي يبايعه المتأمرون و الخونة و السراق و البغاة و كل ذي إفك مبين ….. السيارة تأكل الطريق في ذلك الليل البهيم مسرعة و كأنهم يريدون أن يتخلصوا مني باقصى مايمكنهم ، لمرتين كنا على وشك أن نقوم بحادثة ، في المرة الثانية صرخنا على السائق أربعتنا ، و نهرناه ، كانت سياقته خرقاء …. دخلنا مدينة تزنيت ، سألني السائق عن الطريق التي يمكننا أن نستعملها ،في ذلك العام 2014 ،و نتيجة التساقطات المطرية المهولة التي عرفها المغرب ،و خصوصا في المناطق الجنوبية ، فأن أرواحا كثيرة أزهقت ، و العديد من الطرق و القناطر إنهارت ، فتعذر الوصول الى كثير من الأماكن و القرى و المدن في جهات الصحراء ، و خصوصا في أقاليم إفني و كلميم و طانطان .
أجبته : طريق إفني عبر أربعاء الساحل ، كل قناطرها منهارة . فأجابني : أعلم ذلك ، و لذلك أسألك ! توجهت إليه : خد طريق أكلو ، ومن خلاله سنعبر الى ميراللفت ، قنطرة الشيخ سيدي محمد بن عبلا ، رمموها بالتراب ! وأتمنى من الله أن لا يكون البحر أو مياه الفيضانات قد دمراها ثانية . إتجهنا صوب طريق أكلو … غفوت قليلا فقد كنت بالغ التعب ،و إستسلمت لقدري …. أخر ما أتذكره هو حينما تجاوزنا قنطرة أولى في مدخل جماعة أكلو . سمعت مابين النوم و اليقضة حوارا أو بعضه ! و إستيقضت هالعا ، كنت مشوشا ، السيارة واقفة في طريق ما ،و الليل الحالك الشتائي يلف الفضاء ،والبوليس يتناقشون بينهم : تجلينا ، و صاحبي انت مامخالط هاد الطريق و جاي سايق بنا ، لاش دخلتي مع هاد لابيست ؟!! (طريق غير معبدة ) حينها إستيقضت ، حاولت النظر لكن سواد الليل حال دون أن أتبين ما يحيط بنا ! في تلك اللحظات ، تبادرت الى ذهني أفكار سوداء ، فبدأت أتوهم أشياء من قبيل ، ماذا لو تمت تصفيتي في هذا المكان ؟ ولماذا لم يقوموا بإعطائي الهاتف كي أتصل بعائلتي و أبلغهم باعتقالي كما يكفل لي القانون ! هل حرموني من ذلك كي تتم تصفيتي هنا بعيدا و في مكان قصي ؟ وزاد من شكوكي حينما قلت لنفسي : ماذا لو لم يصل خبر إعتقالي الى أهلي والى باقي الناس ؟ في تلك اللحظات القاسية ، وعلى أضواء السيارة ظهرت لي شجرة أركان عملاقة ، قلت ماذا لو علقوني مشنوقا على أغصانها و قالوا بعدها : الوحداني إنتحر ! و أفاقني من هذه الكوابيس صوت بوليسي : و اسي الوحداني را تجلينا ، شوف معنا الله يجازيك فين كاينا الطريق ؟ حينها عدت الى ثباتي و قلت للسائق أخرج بنا من هاد لابيست و أدخل بنا الى الطريق المعبدة و بعدها سنرى ! قطعنا مسافة طويلة ، كان السائق قد دخل بنا الى دواير أكلو ، و حين وصولنا الى إحداها تعرفت عليها جيدا فقد كنت أزورها مع صديق لي إسمه ابراهيم ، حيث كان يسكنها لمدة مع أبنائه وزوجته الثالثة التي تزوجها من غير علم زوجتيه القاطنتين بفرنسا ، كان الدوار قريبا من مقر جماعة أكلو ، و حينما وصلنا الى هناك إكتشف السائق الطريق السالكة .
تأذت الطريق كثيرا ، تساقطت أجزاء منها ، و قناطر كثيرة خصوصا تلك التي بنيت في عهد الحكومات المغربية تهاوت مثل السراب ، أما قناطر الحماية الفرنسية ( منطقة ميراللفت كانت تابعة للنفوذ الفرنسي ) و الحماية الإسبانية فقد قاومت الفيضانات ، قنطرة افني التي بنيت لمرات بعد خروج اسبانيا عام 1969 انمحت نهائيا من الوجود ، أما قنطرة اسبانيا بمحاذاة ملعب سما راسو التي بنيت منذ الأربعينيات فانها ظلت صامدة أمام فيضان 1986 و فيضان 2009 و فيضان 2014 ، و منها مرت سيارتنا الى كوميسارية إفني ، كانت هذه القنطرة هي صلة الوصل الوحيدة التي ظلت تربط افني بالعالم ! كانت تسبقنا سيارة أمن تابعة للمنطقة الإقليمية لسيدي إفني ، كان يسوقها العميد الرئيسي طارق ، إفني كانت في أسوء حال الفيضان أحالها الى مدينة مدمرة و منكوبة ، مارأيته من خلال النافذة الأمامية ، إغرورقت له روحي قبل عيني ! كنت أحس إفني متعبة مثلي ، مجروحة أكثر مني ، نال منها الغدر و المكر و غضب الطبيعة مثل ما أنا تلك اللحظات . قال لي مرافقي الآن من فضلك ، يجب أن ندخل الى الكوميسارية وانت مصفد اليدين ! لخبار فراسك . حينها أحسست أن بعض بوليس إفني طرف في مؤامرة ما ضدي ،
أدخلوني الى داخل كوميسارية افني ،هذه البناية الباردة روحا وشكلا ؛ الجديدة بناءا، كانت قبل سنوات مثل كثير من بنايات الإسبان بافني؛ ذات شكل معماري موريسكي أنيق ، منسجمة مع محيطها العام ؛ حتى المركب السجني التابع لها كان بأبراجه و شكل نوافذه و بواباته الجميلة و هندسته ، يحمل بصمات إفني! حتى الكوميسارية و الكوارتيل ( مكان سجن الحراسة النظرية و التعذيب) كان يشبهنا… أما الآن وبعد تدميرهما معا ، بنيت مجرد أعمدة مسلحة…تم تسليمي لبوليس افني أخيرا . ودعني رجال الأمن القادمون بي من أكادير و انصرفوا بعد أن حرروني من قيد أصفاد أكادير و بدأت معالم مؤامرة ثانية تنسج داخل أسوار كوميسارية إفني! جلست أمام العميد ، كان مطروحا على مكتبه حليب و بعض بسكويت، قلت له : السي طارق قبل من بداية هاد التحقيق الطويل! غادي نمشي نغسل ايدي و من بعد غادي نرجع ناكل هاد طانغو ونشرب هاد لحليب – كنت جوعان لم أكل شيئا ذلك اليوم ؛و لدي عادات أكل غير منتظم ؛ و كنت أتغدى أغلب الأوقات نهاية اليوم – و ضروري نتصل مع عائلتي باش نخبارهوم بانني اعتقلت را مافراسهوم والو! فقال لي العميد و هو يبتسم : مافراسهوم والو ؟ المغرب كامل فراسو را خبارك نقلتها كل المواقع و صفحات الفايس! على أي تعشا واخا لعشا على قد الحال ؛ و غادي تتصل إتصال واحد اللي كيرخص لك القانون لا غير .
عدت، و طلبت أن أجري اتصالي ؛ كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، كان قد التحق بنا عميد أخر ناداه العميد طارق بالمسعودي ، كنت اعرف الإسم وقد عزيته في صفحتي بالفايس بووك في وفاة بعض أفراد عائلته ضحايا فيضانات كلميم ،لكني لا أعرفه شخصيا ، قال لي ماهو الرقم الذي ستطلبه ؟ فكرت قليلا ،لم أستحمل أن أتصل بأبي لن أستطيع أن أنقل إليه خبرا مثل خبر إعتقالي ؛ و هو المسن الخارج حديثا من أمراض و عمليات ، قلت للعميد المسعودي : ساتصل بأخي ، وقبل أن أتم كلامي : شكون واش جمال ؟ نظرت اليه بتساؤل : ما فهمت واش انا قلت جمال ؟!! إبتسم و قال : لا عادي غير حيث جمال مع عضو تاع المجلس الجهوي تاع حقوق الإنسان و مرارا كيجي هنا حول ملفات تاع المواطنين و الشكايات تاعهوم و هو را نائب رئيس تاع البلدية يعني كنعرفوه أكثر . أجابته : ها الرقم تاع خويا عزيز عضو المركز المغربي لحقوق الإنسان! سلمته الرقم الذي كتبته على قطعة من ورقة سلمني إياها .
أخدني الى مكتب أخر به هاتف ثابت ، ركب الرقم وسلمني سماعة التليفون ،رن الهاتف مرتين.
المكالمة…
صوت أخي عزيز : الو .
محمد : مرحبا أبا عزيز…
عزيز و صوته به بحة تأثر و دمع يقاومه : مرحبا خويا ، حنا كل شئ بخير و با و مي را بخير غير أنت كون بخير أخويا واش نجي…
محمد : وزربتي عليا هههه . شوف جيب ليا شي مانطة و وسادة و شي ماناكل و قل لبايا و ميا أنا بخير وحامد الله الى غار صبروا هوما أنا الحبس ماعندي فيه كسار ؛ في تلك اللحظة أشار علي الكوميسير المسعودي بإنهاء المكالمة! ودعت خويا عزيز ، على موعد اللقاء به بعد قليل .
رجعت قافلا الى مكتب الشرطة القضائية بمعية الكومسير . وجدنا الكوميسير طارق جالسا يحمل حزمة أوراق بين يديه . قال لي : عتق بعدا بين ما نوجد انا هاد الضوصي . شققت علبة حليب سنترال بأطراف أنيابي و فتحت بسكويت طانغو بأطراف أظافري و بدأت
أشرب جرعات الحليب و أقضم البسكويت . أين كنت وأين أنا الآن بفضل مؤامرة بوليد وأخرين لا محالة أني أعرف بعضهم و البعض الأخر سيكشفه الزمن و البعض الأخر سيمكر الله بهم ،كما مكروا بي ،و الله خير الماكرين!
انهيت إفتراس مابدأت أكله ، خرج العميد طارق بعد إتصال أحدهم به على هاتفه الجوال ! تأخر قليلا مر أكثر من 15 دقيقة ! كان الكومسير المسعودي جالسا على كرسي ماقبل التحقيق الذي كان يتناوب عليه هو و زميله طارق ! .
الكومسير المسعودي : آش غادي نقول آ الرايس ، انت مايقد الواحد يفهم فيك وااالو ، يلاه كنقولو صافي را الوحداني هداه الله و داها فراسو و هنانا منو ، كتطلع لينا بشي عجب ! أنا عييت مانحلل في التقارير ، انت شريف و خلاص لوقت اللي كتطلع كتدير أمارش و كتريب كاع الإحتمالات اللي كانديروا …
محمد الوحداني : أنا بسيط جدا . مواطن بغا هاد الوطن يكون وطن تاع الكرامة و تاع المعقول و تاع الديمقراطية و حقوق وواجبات يحترمها الجميع . التقارير المغلوطة اللي كتوجه من مستنقعات المصالح و الأطماع هي اللي خرجت على هاد البلاد . لو كان المعقول اكون كاع مايموتو العائلة تاعك الله يرحمهوم ضحية تاع شوية تاع الشتا ، اكون كان المعقول و المحاسبة كاع مايفيض الما من السد تاع افني ، و زيد و زيد …. قاطعني
الكومسير المسعودي : الأسرة تاعي الله يرحمهوم ماتوا لأن الأجل تاعهوم انتهى !
محمد الوحداني : هي نمشي انا دابا و نقتل شي واحد ، و تقول ليا : إنتهى الأجل تاعو ! هذا منطق غريب . الجريمة ممكن تكون بسبب مباشر باستعمال سلاح او بسبب اختلاس و سرقة المال العام ، واحد بنى عمارة او طريق او سد او قنطرة و سرق و نهب من الميزانية تاعها و ماتوا الناس يجب ان يحاسب .
دخل الكومسير طارق و نهض الكومسير المسعودي ، و بدأ التحقيق :
وضع كومة من الأوراق ، أمامنا و قال لي هذه تصريحات المتابعين الأخرين ، الذين تمت محاكمتهم منذ أكثر من شهر و صدرت في حقهم أحكام بالبراءة و السجن ، على أي التحقيق سيكون سريعا ، مجرد أسئلة و ننتهي ، غار عطلتي راسك و عطلتينا ، أكون قدمت راسك من الأول كاع من تكون شي مذكرة بحث او تقديم بهاد الطريقة !
محمد الوحداني : السبد العميد ، على ماأظن أنا ماشي أمي ، و قاري واحد شوية ! و في نفس الوقت انتم تعرفون بانني ماشي أول مرة يتم الإستماع الي ، فقد تم الإستماع لي و تقديمي في حالة اعتقال أكثر من مرة ، و عندي تجربة فهاد المجال ! منذ 2005 وانا داخل خارج مرة اعتقال مرة تقديم مرة سجن ، واه أنا فوق شهر من وقوع أحداث نوفمبر 2014 وانا كنضور حداكوم هنا في افني و يوميا اما كنتغدى او كندير كسكروط في المقهى المقابل للكوميسارية ، و تم اعتقال مايقارب العشرة ، و محاكمتهم ، ومعمر شي حد سول فيا ، او توصلت بشي استدعاء ، و الى حد الآن أنا ماتوصلت بشي استدعاء ، جيتوا واحد النهار بعد صدور الاحكام وبعد مدة و سولتو فيا فالدار و مشيتو …. قاطعني
الكومسير طارق : هناك إجراءات آ الرايس ، نحن ننفذ تعليمات النيابة العامة ، و حتى دابا هوما اللي جابوك !
محمد الوحداني : صحيح ، أنا أعرف جيدا لماذا تم تحريك الملف في هذه المرحلة ، و لماذا الآن وخصوصا بعد تحركاتي وطنيا و دوليا في ملفين ، خصوصا ملف اعتبار إقليم إفني منطقة منكوبة و تنسيقي مع ابناء المنطقة عبر العالم لفضح ماوقع هنا ، و ملف الحكم الذاتي . هنا قاطعني الكومسير طارق بصرامة . قائلا :
إسمك و أسم أمك و أبيك و تاريخ إزديادك و باقي معلوماتك ؟
في هذه اللحظة ، و في هذه اللحظة بالضبط ، أحسست بأنني وضعت رجلي الثانية داخل سور السجن . القدم الأولى وضع فخها بوليد المتأمر ضدي من خلال توظيفه كاعلامي باعمراني وثقت به ، قدم خدمة للوبيات إنتخابية ،تعرف جيدا أنني لن أتركها ترسم كما تريد خريطة إنتخابات 2015 و 2016 ، وفقا لمصالحها الفاسدة ، لأنها تيقنت من أنني منافسها القوي و العنيد ! و نال المتامر جزاء ذلك ، رئاسة لم يحلم بها أبدا و هو الذي ترشح من قبل و لم يستطع حتى تحصيل مجرد مقعد في أحد افقر الجماعات القروية في العالم ! و هاهو الفخ الثاني يجر قدمي الثانية، خدمة للوبيات أزعجها تحركي وطنيا و دوليا في ملفات حارقة و ساخنة …. كنت مطلوبا من كبار صناع الخرائط الإنتخابية ، ومن بعض صناع القرار الأمني …. يتبع