صحراء نيوز - بقلم محمد العربي هروشي
عشرون عاما مرت على جلوس عاهل البلاد على العرش، وهو العيد الوطني الذي يعود تاريخ الاحتفال به أول مرة إلى سنة 1933، حسب ما مورد في كتاب "حياة واجتهاد" لمؤلفه محمد الحسن الوزاني، مؤسس حزب الشورى والاستقلال، أثناء تولي السلطان محمد بن يوسف العرش، والمفارقة أن صاحب الفكرة كان جزائريا، مقيما بالمغرب ويدعى محمد صالح ميسة.
بالتوطئة أعلاه أود أن أقف على دلالات خطاب العرش لهذه السنة، من حيث الثابت والمتحول فيه، كغيره من الخطب السابقة؛ وبنيويا فإن الخطاب لم يحد عن الأسلوب الذي تميز به خطاب العرش الأول بعد تولي جلالته عرش المملكة، فالمعجم منتقى بدقة، والتركيب لا تكلف فيه، متخلصا من كل القيود البلاغية المغرقة في الديباجة الفخمة والمغلقة على التواصل بالنسبة لفئة عريضة من الشعب، ما يدل على أن الملك يستهدف أوسع ومختلف شرائح المجتمع المغربي، وهذه إيجابية تسجل بموضوعية لا تخطئها عين رقيب.
لذلك نربط بين مستوى الفهم المتوقف على عملية التفسير في بعدها الدلالي، مرتكزين على المعجم المروج داخل خطاب الخطاب، أي المضمون /المضامين التي وردت فيه، وهي مجملة في ما يلي:
- عدم اقتناع جلالته بما قدمته الأحزاب السياسية من مشاريع واقتراحات بصدد النموذج التنموي المبتغى.
والدليل دعوة الملك رئيس الحكومة إلى إحداث لجنة من أجل وضع تصور لنموذج تنموي جديد، رغم عدم ارتياحه لمثل هذه اللجان الخاصة التي تقبر المشاريع عوض إحيائها.
- خلال عشرين سنة لم تصل القناعة الملكية إلى أن الطموح الذي كان يحذوها قد تحقق، وهو ما تألم له لما وقف عليه من الفوارق الاجتماعية ذات البون الشاسع في ما بين فئات وطبقات الشعب المغربي، مهما كانت إيجابية الحصيلة.
- تحقيق نقلة نوعية على مستوى الأوراش الكبرى المتجسدة في البنيات التحتية، سواء تعلق الأمر بالقطار فائق السرعة أو مشروع الطاقة المتجددة أو الطرق السيارة.. إلخ.
إن المنجز لا بد وأن يترسخ بجيل جديد حصره الملك في تجديد النخب وتشبيبها على رأس المسؤوليات الحزبية والإدارية والمؤسساتية، والاهتمام بالكفاءات الوطنية على قدم المساواة بين المغاربة، قوامها الجدارة والاستحقاق، والقطع مع منطق الريع في كل تجلياته.
والواقع أن ما لفت انتباهي هذه المرة في خطاب العرش العشرين أمران هامان على مستوى الدلالة والرمزية، هما:
الأول، على صدر جلالته يغيب وسام المسيرة الخضراء الذي دأب على حمله وليا للعهد وعاهلا للبلاد، وهو ما يمكن تأويله بأن الأمر محسوم فيه سياديا تحت مظلة الأمم المتحدة، وبمبادرة المملكة المتجسدة في الحكم الذاتي تحت الراية المغربية.
الثاني، ابتكار مفهوم جديد يمكن إدراجه في القاموس السياسي، ويتعلق الأمر بمفهوم "الملكية الوطنية المواطنة"، الذي جاء على لسان جلالته. وأظن أنه على الباحثين والأكاديميين في العلوم السياسية إيلاء هذا المفهوم ما يستحق من تأصيل نظري، قد ينضاف إلى المعجم السياسي، سواء أتعلق الأمر باللسان العربي أم بإلحاقه عبر الترجمة بالمعجم اللاتيني.
لقد سبق لي في مقال أخير منشور على هسبريس أن توسمت توقعا إيجابيا في ما يرجع إلى ملف الريف وحراكه وتداعياته الحقوقية والسياسية بأن ينفرج الوضع بعفو شامل يتناسق ويتناغم مع طموح خطاب العرش العشرين، والذي يتوجه بشجاعة ووضوح إلى المستقبل، إلى بناء مغرب جديد، جدير بكل مواطنيه المتساوين أمام القانون والمكفولين بعدالة مجالية ينتظر أن يضمنها النموذج التنموي المرتقب.
إن التعدد الثقافي والمجالي واللغوي والهوياتي داخل تجربتنا الوطنية نموذج استثنائي في البلاد العربية والإسلامية. لا نقولها جزافا أو تزلفا وإنما بالاتكاء على التاريخ الميداني منذ بروز الدولة المغربية بكل روافدها الثقافية والعرقية، فقط علينا التشبث بالحداثة في كل أبعادها الإنسانية بالانفتاح ونبذ الانغلاق، وتوسيع الفضاء الديمقراطي والإيمان به حاكما ومحكوما.