صحراء نيوز - حمدي كعاب :
قراءة في مضامين المادة التاسعة من مشروع قانون المالية 2020 رقم 70.19 ( المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية لسنة 2017).
غني عن البيان، أن المادة 9 من مشروع قانون المالية 2020 نصت على أن الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية، وفي حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي في حدود الاعتمادات الماليةالمفتوحة بالميزانية"ولا تلزم المادة 9 الآمرين بالصرف بتنفيذ الأحكام القضائية إلا في حدود الامكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئد تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية.
إن المتأمل في المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020، سوف يتضح له جليا أنها تحتقر أحكام القضاء التي حصنها دستور فاتح يولبوز2011 وجعلها تسمو على الجميع، وبالمقابل تمتع قرارات الدولة بنوع من التحصين الذي يمس بحقوق الملكية والحقوق المالية للمواطنين. مما يجعل سلطة الدولة السلطة التنفيذية” عمليا فوق السلطة القضائية، هذه السلطة –سلطة الدولة- التي يجب عليها أن تضمن وتحترم تنفيذ جل المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به تطبيقا للمبادئ الدستورية.
ومن ناحية أخرى، نحد أن هذه المادة تتعارض بشكل مطلق مع ما جاء به الدستور، وخصوصا الفصل 126 منه الذي ينص على أن “الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع” فإذا كانت الأحكام القضائية ملزمة للجميع فهي لا تستثني الدولة أو الجماعات الترابية الصادر ضدها حكم قضائي نهائي، يقضي بإلزامها بأداء مبلغ معين، وعليه فإن ما تعرضت له المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 يمس باستقلالية السلطة القضائية المنصوص عليها في الفصل 107 من الدستور، باعتبارها السلطة التي يجب أن يمتثل لها الجميع.
كما أنها تمس بقوة القرارات القضائية وإلزامها للجميع. فكيف لدولة تسمى دولة الحق والقانون أن تعطل حقا من الحقوق الأساسية للمواطنين بسبب التذرع بغياب الوسائل الكافية لتنفيذه والتملص من المسؤولية، ومن حماية حقوق الناس بسبب أو بذريعة غياب الوسائل المادية الكافية لتنفيذ الحكم القضائي الصادر في مواجهتها.
كذاك هنا لابد من الاشارة إلى أن المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020 قد جعلت التنفيذ ممكنا أمام الآمر بالصرف فقط وليس المحاسب العمومي، كما أن التنفيذ لم تربطه بآجال معقولة وواضحة كماهو منصوص عليه في مشروع قانون المسطرة المدنية، ناهيك عن أن هذه المادة السالفة الذكر ضيقت من التنفيذ وجعلته في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة ولم يتم تحديد ماالعمل في حالة عدم كفايتها وتعدد المطالبين بمستحاقتهم. صفوة القول أن المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020 قد اثارت جدلا كبيرا في الاوساط القانونية والسياسية بسبب ماتضمنته من تحصين لممتلكات الدولة في مواجهة الاحكام القضائية،ومنع إخضاع أموال الدولة والجماعات الترابية والادارات العمومية من الحجز تنفيذا لأحكام قضائية قابلة للتنفيذ، وهو مايشكل ضربا لدولة الحق والقانون وإنكارا للعدالة وتعطيل وظيفة القضاء المستقل،وتضيع لحقوق المتقاضين الذين لم يستصدروا تلك الأحكام المقررة لحقوقهم إلا بعد مساطر إدارية وقضائية شاقة وطويلة، كما أنها تعد نقيضا لمجموعة من الخطابات الملكية الرامية إلى ضرورة العمل على تبسيط وشفافية المساطر عن طريق تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة ضد الادارة.
*باحث في القانون العام وخريج ماستر التدبير الاداري المحلي.