كلمة تأبين الأب الجليل الكولونيل ماجور أحمد مولاي بويا.
صحراء نيوز - بقلم : فيصل رشدي، صاحب برنامج شخصيات الطانطان.
قرأت كل ما كتب عن وفاة السيد أحمد مولاي بويا، من أخبار عن الوفاة وصولاً إلى تدوينات الأعزاء وأحباب الفقيد على وسائل التواصل الاجتماعي الفايس بوك. قرأت بعناية فائقة كل حرف كتب عنه، فتأملت ببصيرة نسر كل حرف كتب، فالحرف صلة لاجتماع كلمة، فتتحول الكلمة إلى سطر ثم فقرة وصولاً إلى نص للتعبير عن الحزن العميق الذي خلفه رحيل الأب الجليل أحمد مولاي بويا " فاخترت أن أشاطر الأحزان عائلة الفقيد، فكما هو معلوم فالأب الجليل الكولونيل ماجور السيد أحمد مولاي بويا هو أب لجميع الناس باختلاف مشاربهم واختلاف أعمارهم: رجالهم ونسائهم شيوخهم وأطفالهم شبابهم وشاباتهم. هو أب لأسرته الصغيرة والكبيرة وجيرانه وقبيلته و جميع أهل الطانطان وأهل الصحراء وأهل المغرب والإنسانية جمعاء.
هو ابن هذه المدينة المسماة " الطانطان" التي رأى فيها النور عام 1929، وتفتح وعيه على أمجادها وعلى تاريخها المشرف الذي ينتمي إليه هو وكل أبناء الطانطان أبناء تلك المرحلة وأذكر على رأسهم : المهدي بويا وحبوها لحبيب ومحمد خر والسالك ولد لفيطح ومحمد لعبيدة شرفي وآبا الشيخ ولد آباعلي وغيره من المجاهدين الذي قدموا تضحيات جسيمة لهذا الوطن الغالي.
تربى السيد أحمد مولاي بويا في كنف أسرة عريقة، علمته أن الحق حق والصدق صدق وإنصاف المظلوم واجب والذود عن الفقراء والمساكين شيء لا يختلف فيه اثنان، إنه شيء يجري في الدم مجرى المياه في أعالي الشلالات، وأن الاستعمار الإسباني يجب طرده وسعى إلى ذلك رفقة مجاهدين كبار، أبلوا بلاءاً حسناً فنكلوا بالمستعمر الغاشم وطردوه من أرض الطانطان الطاهرة، لتحل مناسبة رفع العلم الوطني، الذي رفعه البطل الشهم القائد أحمد مولاي بويا عام 1958 أحمد مولاي بويا هو ابن الطانطان عرفها وخبر طبيعتها وتقلباتها، دافع عنها ولم يكن يهاب أحد فتعلق به الجنود تعلق الأب بأبنائه، فكان القائد الحكيم والأسد الفذ والبطل المغوار في الحروب. ومن عمل إلى جانبه أحبه وتعلق قلبه، به فكان أحمد مولاي بويا القدوة الحسنة والمثل الأعلى لكل الجنود.
للتاريخ من يحكيه وأنا سأحكيه من خلال ما ظل عالقاً في ذاكرتي، يوم كنت أسمع أن بيت أحمد مولاي بويا مفتوحٌ في وجه الجميع، وعلى يديه كانت تقضى حوائج الناس وجعل الله على يديه الكريمتين الخير ففعله لوجه الله تعالى دون احتساب لأنه كان يعلم أن "ماكان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل"، فعل الخير في صمت وصدقة السر في صمت ونطلب من المولى عزوجل أن يجعلها في ميزان حسناته. سنفتقد اليوم عودته من ساحة الوغى وهو في زيه العسكري، يضم جميع أبنائه إليه ويعطف عليهم ويشتري الهدايا والملابس لهم في جميع المناسبات الدينية.
سنفتقد اليوم صوته الذي كان يملأ أرجاء المنزل بهاء وجمالاً ورونقاً، خاصة أنه كان مثلاً أعلى لأبنائه وبناته. سنفتقد اليوم فرحة العيد بغياب الأب الجليل أحمد مولاي، يوم كان الصباح أحلى صباح في الدنيا يجلس مع عائلته والكل يقبل يديه ورأسه والفرحة تعم الجميع.
سنفتقد الزوار الذي كانوا يزورونه من كل حدب وصوب والجلوس معه لشرب الشاي الصحراوي وتجاذب أطراف الحديث عن التاريخ القديم. سنفتقد أيام الفرح حينما كان أبناؤه يدخلون اليوم الأول للمدرسة ويفرح لهم ولنجاحهم، ويحثهم على العلم والأدب والأخلاق العالية.
سنفتقد هذه الأيام الصور التي تعم كل مكان: إنها صور مؤثرة للحظات تكريم السيد أحمد مولاي واللحظات الرائعة التي تجمعه بأصدقائه وأحبابه. سنفتقد هذه الأيام قراءة الجرائد والتي لحسن حظي أنني التقيته منذ خمسة وعشرين عاماً يطلب من صاحب الكشك المتواجد قرب السوق الأسبوعي بوسط المدينة مجموعة جرائد وسمعت جريدة مكتوبة باللغة الفرنسية اسمها لوماتان.
سنفتقد هذه الأيام تجوال الأب أحمد مولاي ليلاً في ساحة بئرزان وفي كل مكان في الطانطان. أتمنى من كل قلبي أن يخلد اسم " أحمد مولاي بويا" على شارع من شوراع الطانطان، أو كما اقترح علي بعض الأصدقاء، أن يخلد اسمه على مطار الطانطان أو حي العمران أو مركز الدراسات والتكوين بالوطية.
برحيل أحمد مولاي بويا "لم يعد هناك إحساس بالراحة" كما قال الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي، رحل المجد وبقى الخلود، رحل البطل ولم يرحل، بل ظل يسكن وجداننا وصورته ظلت عالقة في ذاكرتنا. أختم بقول الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي: "أبلِغْ عزيزًا فى ثنايا القلبِ منزلهُ أنى وإنْ كنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ وإنَّ طرفِىَ موصولٌ برؤيتهِ وإنْ تباعدَ عن سُكنايَ سُكناهُ يا ليتَهُ يَعلمُ أنى لستُ أذكرهُ وكيفَ أذكرهُ إذْ لستُ أنساهُ إنْ غابَ عنى فالروحُ مسكنُهُ من يسكنُ الروحَ كيفَ القلبُ ينساهُ" .