قال الدكتور سعد الدين العثماني، المفكر والمتخصص في علم النفس إن الأسرة في كل بقاع المعمور تواجه تحديات كثيرة وتعيش تطورات مفزعة وتسير نحو مستقبل غامض، مؤكدا دورها المهم في جميع الثقافات والشعوب.
وأبزر العثماني الذي كان يتحدث في مداخلة بعنوان "الأسرة بين المنظومة الإسلامية والمنظومة الغربية ضمن فعاليات ندوة نظمتها جمعية مودة للعناية بالأسرة مساء أمس الأحد بمدينة آسفي في موضوع: "الأسرة والنقاش المجتمعي" أن الخلاف بين الأسرة في المنظومة الإسلامية والمنظومة الغربية هو خلاف حضاري وثقافي وليس خلاف فكري أو سياسي او اقتصادي فحسب، بل في عمق هو اختلاف هوياتي فكري وحضاري.
ودعا إلى ضرورة ضبط المرجعية التي ننطلق فيها في تعديل مدونة الأسرة، مشددا على أن الأساس هو تحريم الحرام وتحليل الحلال، موضحا أن كل تعديل يجب أن يتجه في اتجاه تيسير الحلال والتضييق على الحرام، عبر تيسير الزواج وتيسير بناء الأسر، مستغربا من السعي إلى التشديد في زواج القاصر مع تيسير العلاقات الجنسية الرضائية في تناقض صارخ.
في مقابل ذلك، اعتبر العثماني أن الأسرة الغربية مفتوحة نحو المجهول مفلسا أخلاقيا، مستدركا أنه بدون وحي يصبح المجتمع بدون ضوابط ولا قواعد وبدون منطق وفوق رمال متحركة بلا ثوابت ولا منطق.
وأكد العثماني أن المنظومة الإسلامية تنطلق من الوحي الذي يضع الضوابط الشرعية، ويبين الحلال والحرام، علاوة على تأطير الأسرة بسياج العفة مع الإعلاء من شأن الأمومة وإعطاء أهمية لرعاية الأبناء في الأسرة، مستدركا أن “العفة هي أعلى قيمة من القيم الأسرية”
وكشف العثماني في مقابل ذلك أن الحضارة الغربية اختزلت الإنسان في أبعاده البشرية الصرفة، وألغت كل بعد علوي كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف روني كينو، مبرزا إلى ما أشار إليه المفكر روجي جارودي، من كون الانحراف بدأ منذ القطيعة الأولى مع الوحي وإنهاء المرجعية العلوية، وأن الأمر أفضى إلى سيطرة الفردانية,
وطرح العثماني عدد من القضايا التي طغت على المجتمعات الغربية بلا قيود أو ضوابط أو قيم مرجعية مثل الحرية الجنسية، والمساكنة، وأسرة مثليي الجنس، وحرية اختيار الجنس، والجنس مع الحيوان، واستئجار الأرحام، وبنوك المني، متسائلا إلى أين سينتهي هذا الأمر في مسار الحركة الاجتماعية للإنسان؟
ودعا العثماني إلى مواجهة كل التحديات من أجل الحفاظ على الأسرة من الاندثار والتغلب على ما يهددها رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ومواجهة النظريات الفلسفية المتطرفة.
واسترسل العثماني إلى أن حاجتنا مستمرة في تعديل مدونة الأسرة التي تستمد تعديلاتها من المنظومة الإسلامية مردفا أن “إيمان الشعب المغربي، والدستور، وإمارة المؤمنين، أمور تُسيج تعديلات المدونة بما يسير في اتجاه المحافظة على الأسرة بمكانتها وأدوارها”.
من جانبها، قالت الفاعلة النسائية سعادة بوسيف إن مدونة الأسرة حققت قفزة نوعية وسجلت منجزات لصالح المرأة، لافتة الانتباه إلى أن إصلاح المدونة يستوجب فتح نقاش قانوني وفي مداخل أخرى كثيرة.
واعتبرت بوسيف أن الأسرة المغربية بكونها مؤسسة لها مركزيتها في الإصلاح، والمدخل الأساس هي المرأة، كمرجعية تحوم حولها روابط وتناسب وتناسق بين مجموعة من الأمور وتتفاعل مع أمور أخرى.
وأبرزت بوسيف أهمية ورش المدونة من خلال المراجعة وتنبيه المنتظم الدولي الى ضرورة الانخراط والارتقاء بالأسرة.
وأكدت بوسيف إلى فتح النقاش حول مجموعة من القضايا ذات الصلة بالأسرة، باعتبارها مكونات تساهم في صناعة الإنسان وحمايته، كما أكدت أن ورش إصلاح مدونة الأسرة يحتاج منا جميعا الى إزالة القبعات واخضاعه للجانب العلمي وتنظيم فعاليات وطرح تساؤلات تقارير النمودج التنموي الجديد واستحضار راهنية ودقة المرحلة، داعية في مقابل ذلك، إلى استقلالية بعض المؤسسات ذات الصلة بالاسرة والتفاني في بلوة الحلول للإشكالات التي تعيشها الأسرة بعيدا عن إملاءات المؤسسات الدولية.
يشار إلى أن الندوة "الأسرة والنقاش المجتمعي" قد تميزت بالإحتفاء بالدكتور سعد الدين العثماني والدكتورة سعادة بوسيف نظير إسهاماتهما القيمة في الدفاع عن الأسرة المغربية، قد شهدت حضورا مكثفا للحضور الذي غصت به جنبات قاعة ملحقة جهة مراكش آسفي، بمدينة آسفي حاضرة المحيط.
الندوة التي سيرتها الأستاذة بشرى السيحمي، رئيسة جمعية مودة للعناية بالأسرة بآسفي بسطت ورقة تعريفية بالجمعية والسياق العام المنظم لفعاليات هاته الندوة التي تعكس اهتمام المواطنين بالنقاش الدائر حول الأسرة، قد أعلنت عن عزم جمعيتها إخراج مشروع مؤسسة يهم الوساطة الأسرية في أفق استعادة دورها الريادي في التربية والاجتماع والتنمية.