ترددنا كثيراً قبل الذهاب إلى المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا بالعيون ، ودارت تساؤلات عديدة و في أذهاننا " خوف وعدم ارتياح " من رؤية مصابين بالإيدز ارتبط مرضهم دائماً في رأي الشارع و في غياب دعم محدد لحملات التحسيس بجرائم أخلاقية، غير أننا نعترف أن الصورة اختلفت كثيراً بعد أن وطأت أقدامنا أرض هذا المكان. التقينا أفراداً لا حول لهم ولا قوة، وُصموا بذنب لا علاقة لهم به.
" جريدة دعوة الحرية" تعرض قصصاً تنزف ندماً وألماً لنساء ورجال و أطفال تعايشوا مع المرض، لكنهم يسكبون الدمع بسبب نكران المجتمع لهم، ما جعلهم يعيشون فيه شبه منبوذون، مثل " أشباح" حتى لا يفتضح أمرهم، بل إن منهم من كان يعيش بين أهله وعشيرته دون أن يعلموا عنه شيئاً.
مشاهد عديدة تطرح تساؤلات وعلامات استفهام، فهل تخصص ولاية العيون على غرار البلدية دعم ورعاية لمساندة المرضى ؟ وهل يمكن أن يتقبلهم المجتمع كجزء لا يتجزأ منه ؟
"خسارة فيك عمري و شبابي"
جميلة " اسم مستعار" من مواليد 1986 بالعيون ، غادرت دفئ مقعد الدراسة في الثانية إعدادي لتلتحق ببيت الزوجية وهي بنت 16 ربيعا بعد مرور عشرة سنوات أنجبت طفلين ليأتي حدث غير متوقع يغير مجرى حياتها “ منين غذي نبدا اخويا، زوجي كان مصابا بالداء كنت اعتقد عدم وجود المرض بالعيون، إلا أنه لم يخبرني بحقيقة مرضه. اكتشفت المرض صدفة، إذ اضطر زوجي إلى دخول المستشفى بن المهدي طننت انه مصاب بمرض تنفسي على مستوى الصدر ، لكن بعد تغيرات على مستوى جلده وظهور التهابات حمراء على شكل الريال ، وعند تأزم حالته الصحية ، أنجزت له عدة تحاليل اكتشفنا وجود الفيروس في دمه و دمي أنا أيضا بعد ذلك ، لكن لم أتوصل بالنتيجة إلا بعد مرور شهر من أخذ عينة دمي، فعندما توجهت إلى المركز، وجهوني إلى جمعية تعمل في هذا المجال بشارع بوكراع، أحالتني بدورها على مستشفى بمدينة اكادير مختص في علاج مرضى فقدان المناعة المكتسبة انا وزوجي نعاشر المرض ”. تقر جميلة بأن زوجها هو من نقل إليها المرض دون أن تعلم، وأضافت " بعد تأكيد إصابتي بالفيروس غضبت من زوجي و لم أتكلم معه لمدة يوم واحد و في اليوم الموالي قمت بإيصال أطفالي إلى المدرسة ، لأعود إلى البيت تصالحت معه و بدأنا حياة جديدة مع المرض".
وحول اكتشاف أقرب المقربين لطبيعة مرضها تقول جميلة “ أمي وقفت إلى جانبي و أبي لا يعلم حتى ألان و يعتقد أن زوجي مصاب بمرض ضيق التنفس مع العلم أن زوجي لا يدخن أصلا“.
جميلة ناشدت كل الجمعيات المحلية بالعيون و المنظمات الوطنية و الدولية من أجل الوقوف الى جانبها ، فزوجها غير قادر على العمل بسب المرض ، التكاليف تتراكم الكراء ، الماء ، الكهرباء..
" أنا فيا السيدا أعباد الله "
عمر " اسم مستعار" من مواليد العيون ، لم يكن يدور في خلده يوماً أنه سينضم إلى نادي المصابين بالإيدز.. بعد مراهقة ساخنة ، تجولت به في جل دور الدعارة بالعيون ( لاونيب ، سوق الجمال ، شارع اسكيكيمة..). في سنة 2008 بدأ يحس بالعياء الشديد و الهزال ، ليكتشف إصابته بمرض السيدا "
لحظات محيرة راودتني فيها الشكوك، التي سرعان ما قطعها عليّ الطبيب الذي أطلق عليّ وابلاً من الأسئلة الغريبة المفاجئة… هل تستعمل العازل الطبي ، هل سبق أن نُقل لك دم؟ ثم بادرني بسؤال نزل عليّ كالصاعقة هل لك علاقات محرمة؟
كان لدي مشروع زواج مع أبنت عمي ، تخليت عنه بفعل المرض ، "القبيلة" علمت بمرضي ، ثلاث سنوات و أنا ابكي ، ليل نهار ، حاولت الانتحار مرتين بدون جدوى.. أمنت بقدري ألان أمزح مع أصدقائي و أقول لهم" اشكون إلي بغا فيكم السيدا.."
تعرفت بعدها على المنظمة وبدأنا في تناول الدواء وتحسن حالي كثيراً وكان للجمعية دور كبير في تأهيلي ومساعدتي بشتى الطرق، وتعرفت على عدد كبير من المتعايشات مع المرض خارج وداخل العيون عن طريق الجمعية ، و قال لي الدكتور " مراد المملوني " باكادير انه يمكنني الزواج ".
لا أريد أن أكون منبوذ لا أريد أن أموت وحيدا دعواتكم لي بالشفاء العاجل.
شخصية مميزة وقوية
صرحت حليمة لجريدة دعوة الحرية " حللت بالعيون في شهر شتنبر الماضي أنا وزوجي و أبنائي ، اكتشفت المرض في سنة 2010 بعدما اجري زوجي التحاليل باكادير ، زوجي مصاب و ابني الصغير و أنا أيضا ، أما ابنتي ( 15 سنة ) فهي سالمة الحمد لله ، طلقني زوجي الحالي سنة 1997 و رجعني سنة 2004 ، أخفى عني قصة مرضه ، أصبت بالأعصاب ، ساعدتني بعض المساعدات الاجتماعيات بمراكش " .
وبخصوص تكيفها مع المرض أضافت " بفعل احتكاكي ببعض المصابين تعودت على المرض ، الجيران لا يعلمون إصابتنا بالايدز ، لكن ابنتي عرفت بالمرض و أصبحت تساعدني في تناول الدواء ، وزني نقص في السابق ، ألان الحمد لله أرجعت بعضا من عافيتي ''' ماكرهت نولد شي ولد أخر...".
بخصوص عمل الزوج و مناقشة المرض في البيت قالت حلمية " زوجي يعمل في احد المؤسسات المالية بالمدينة، قد لا يقوى على عمل أخر شاق، وبخصوص الحديث عن المرض في المنزل لا نتكلم كثيرا حوله ، أضع الدواء في حقيبتي ، وزوجي لا يتقبل مشاهدة برامج حول المرض في التلفاز ، علاقتي مع زوجي مثل السابق لم يتغير أي شئ".
أما مسألة تقبل المرض من طرف الأقارب حكت حليمة بمرارة قصة رحلة مؤلمة " أتذكر عندما زرنا إحدى العائلات بمراكش ، عزلوا طعامنا و قاموا بغسل الافرشة قبل خروجنا من منزلهم ".
المرض يهدد العيون في غياب دعم للعلاج و التحسيس
ومن داخل الجمعية التقت " جريدة دعوة الحرية" المتطوعة في المنظمة " حجابة نور الدين " التي أبانت أن الجمعية تساعد الحالات حتى تخرج من الوضع النفسي السيئ، لدمجهم مع آخرين وتوضيح الصورة الذهنية والمفاهيم الخاطئة حول الفيروس.
المرض لا يميز بين الطبقات فهو يوجد في مسؤوليين رفيعي المستوى بالعالم ، المصابون يتناولون أقراص بيضاء و حمراء كل 12 ساعة ، مشكل المصابين حاليا بالعيون هو النقل و الإقامة بمدينة اكادير ، حيث يبقى المريض متسكعا في الشارع في انتظار إجراء الحصة ، الأمر يتكرر 6 مرات في السنة.
و أشير إلى أن المنظمة الإفريقية تتوفر على جيش من الأطر و المتطوعين ، وفي ظل غياب الوسائل اللوجستيكية و الدعم ، تزيد معاناة المرضى و متاعبهم.
كنا نشتغل طوال أيام الأسبوع ، ألان برنامج العمل اقتصر على خمسة أيام في ظل المشاكل الحالية سينخفض مستوى التحسيس و العلاج .
أوجه رسالة إلى المجتمع بضرورة تفهم هذه الفئة، فهناك عدد منهم ضحايا "حتى لا نكون نحن والمرض عليهم".
حمدي ولد الرشيد يدعم المصابين بالسيدا
أكدت مجموعة من المصادر لجريدة دعوة الحرية منح المجلس البلدي بالعيون سندات نقل لفائدة المصابين بالسيدا ، للتنقل إلى مدينة اكادير للعلاج. قبل هذا الدعم المهم جدا كان اطر المنظمة الإفريقية بمدينة العيون يقومون بمشاهرة لجمع تكاليف تنقل بعض الحالات.
وثمن مجموعة من المرضى مبادرة رئيس المجلس البلدي حمدي ولد الرشيد النوعية و الإنسانية ، لأنها ستساعد بشكل كبير جدا في تحفيز المرضى على متابعة العلاج.
وفي جانب أخر سجلت الجريدة عدم اعتراف والي الجهة بالمصابين بالايدز ، فبرنامج مكافحة السيدا بالعيون الذي تشرف عليه المنظمة الإفريقية ، لاتعترف به الولاية و لا بلدية المرسى و لا المنتخبين و لم تقم الجمعيات المحلية بأي نشاط يخدم المرضى .
الأدوية الحالية للسيدا أكثر فعالية أصبح المريض يعود إلى وزنه الطبيعي و يتحسن نفسيا ، نبحث عن مساعدات للمرضى ، ونتمنى استفادتهم من الدقيق المدعم و الإنعاش الوطني .. : أنا الآن أعرف مشاعر المصابين بالإيدز، وأعرف حياتهم القاسية التي يعيشونها كل يوم..هناك مثلا مصابة تقطن في مراب ( كراج) بسوق الجمال من أين تأكل تنشر السيدا ؟؟ يتساءل احد اطر المنظمة الإفريقية.
المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا بالعيون تعمل بجد رغم الإكراهات
رغم أن حالة مرض السيدا بالعيون تبقى مستقرة نوعا ما و لا تصل إلى مستوى الخطورة بالمقارنة مع الجهة الأولى في المملكة ،و التي تحتلها جهة سوس ماسة درعة تليها جهة مراكش تانسيفت الحوز ، أما المركز الثالث فاحتلته جهة الدار البيضاء الكبرى حسب إحصائيات وزارة الصحة فمع ذلك فقد سجلت عدة إصابات بالسيدا في صفوف الجنسين خصوصا النساء ممتهنات الدعارة أقدم مهنة في التاريخ أو الفتيات اللواتي يتوفرن على أكثر من شريك جنسي ، و كذلك البحارة و بعض التجار و السائقين المتجولون ..والملاحظ عند مقاربتنا لهذا الموضوع أن النظرة العامة للمجتمع تنهج أساليب العزل و الاحتقار للمصاب بالسيدا .
و في أكبر المدن الصحراوية تعمل المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا بالمغرب فرع العيون و هو الفرع السادس عشر للمنظمة بالمملكة و الموجود بشارع بوكراع ، بعدة مناهج لمكافحة المرض بالعيون من خلال التحسيس بخطورة هذا الداء الفتاك ، ثم تشخيص المرض بأسلوب سريع و مجاني و سري في غضون عشر دقائق ، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الأدوية و العوازل الطبية ..، مع العلم أن المنظمة تقوم بعدة أنشطة ميدانية منذ افتتاح الفرع سنة 2006 ، و كان أخر نشاط إشعاعي لها "الحملة التحسيسية و التشخيصية من 21 يونيو إلى 25 منه 2010 ، و استهدفت هذه الحملة مدن العيون و طرفاية و المرسى.. ، بالإضافة إلى قرية البحارة بتاروما ، و رغم المجهودات الجبارة التي يقوم بها طاقم المنظمة الشاب و المتنوع ، فإن عدة احتياجات تطرح نفسها على أرض الواقع خصوصا مع تراجع الدعم الدولي بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية ، و هذا هو ما وقف عليه المهتمون في مؤتمر " فيينا " بينما كانت المنظمات المكافحة للمرض تنتظر دعم دولي يقارب خمسة و عشرون مليار دولار ، فإن الدعم لم يتجاوز إحدى عشرة مليار دولار ، هذا على الصعيد الدولي ، أما على المستوى المحلي بمدينة العيون فالمصابون بالسيدا يعانون جملة من المشاكل خصوصا مشكل غياب منح سندات النقل من أجل التنقل إلى مدينة أكادير سواء لتأكيد التحليلة أو للعلاج و أخذ بعض الأدوية، مع العلم أن كل مصاب بالسيدا يحتاج إلى زيارة أكاديراكثر من ست مرات في السنة ، زيادة على الحاجة الملحة إلى السيارة الحاملة للمختبر المتنقل و دعم الأنشطة التوعوية كل هذه المشاكل قادرة على حلها ولاية العيون من خلال إمكانياتها الكبيرة و تخصيص بعض مشاريع التنمية البشرية لمساعدة و خدمة حاملي فيروس السيدا الذين تزداد معاناتهم يوما بعد يوم ، فهل المصابين بمرض السيدا ليسوا مواطنين ؟