كتبها : حاميد حليم
ليس أقسى من الحكرة كعنف نفسي لا معنوي، يترك الأثر العميق في تدمير الشخصية و يخمد الحماس و الإرادة في العطاء وحتى الثقة في الآخر. و لا أدل على ذلك ما أصيب به الشعب المغربي من إحباط بعد هزيمة المنتخب الوطني النكراء،خاصة و أن ما خص به من رعاية مادية و تقنية هائلة تستوجب ان تكون النتائج لصالحه،لكن هي الحكرة بعينها التي تمارس على الشعب المغربي، على المدربين و اللاعبين المحليين و على جيوب المواطنين الذين يمولون خزينة الدولة لأداء اجر المدرب الأجنبي و اللاعب الشبه مغربي،و بطريقة غير مباشرة عبر فواتير الكهرباء، إنها الحكرة التي تمارسها الوزارة الوصية و الجامعة الوصية.إنها الحكرة الحكرة الحكرة.
غير أن النتيجة تبقى جد عادية لأنه و كما أقول دوما لا يستقيم الظل و العود اعوج، فلا يوجد شق أو ثقب في الثقافة المغربية إلا و تجد الحكرة/ التبخيس تعشش فيه حتى غدت النعت التابع لمنعوته في الوصف و الإعراب، فالسلطان دوما ظالم، و القاضي مرتشي،و المناضل مبرزط، و رجل الأمن لص، و الطبيب لا يعرف شيئا،و الجراح مجرد جزار، و حارس الأمن مجرد عساس،و عامل النظافة مجرد زبال ،و الشاوش مجرد شاوش،و التلميذ ذلك المشاغب و المعلم ذلك المضرب دوما،و الأستاذ ذلك المراهق، و الفنان مجرد فنان مسكين،و الصحافي مجرد مسترزق،و الرجل أصبح شبه رجل ،و النساء مجرد ناقصات عقل و دين و أشياء أخرى ، هي ثقافة الحكرة او التبيخيس ،وعدم تقدير الآخر وهي ثقافة يتميز بها الشعب المغربي بامتياز.
و قد تجدرت في وعينا الى درجة مستفحلة تستدعي جراحة قيصرية، أن الكل يعاني من الحكرة،من رجل السلطة الى المواطن العادي، من أعلى المراتب إلى دونها،الكل يعاني من الحكرة و في نفس الوقت يمارسها و يمارس التعسف على الآخر، و الكل يتحين الفرصة لرد الدين و الصفعة للتلذذ بالانتشاء و الشماتة من المتعسف.
فذو السلطة عندما يسن قانونا أو يفرض أمرا دون مراعاة ظروف و لا حاجيات الآخر ففي ذلك حكرة تؤلم المتضررين من الشعب، في نفس الوقت عندما يعطل المحكور مصلحة الحاكر و لو على حساب مواطن آخر ،يكون قد كرس حكرة تمس أطرافا أخرى، و هذا أكثر ما يكون شبيها بالسرطان الذي ينتشر في الجسد.
فمثلا المرتشي الذي يبرر صنيعه بقلة الراتب و صعوبة العيش التي يراها حكرة ، يسقط من مفكرته قيمة التضامن مع المواطن البسيط الذي يشاركه نفس ظروف العيش و ربما اقل ،و بالتالي يمارس حكرة من نوع آخر.
و التناقض الصارخ في هذه الظاهرة هو الإقرار بوجود الظلم و الصدح بشعارات التنديد،و ممارسته في الحياة العامة، في البيت و الشارع و العمل.
و لربما كان ذلك بالعمد او بالتهاون في تكريس الحس الوطني و المسؤولية الجماعية لذا المواطنين،و لا يوجد إلا تفسير واحد لهذه الظاهرة السرطانية المحبوكة الصنعة، بطريقة أو بأخرى ،و التي تعمد إلى تدمير الشخصية المغربية و إن تعددت أعراقها و دماؤها و انتماءها الجغرافي،إلا أنها تبقى علامة مسجلة اسمها الحكرة.
و هذا ليس على مستوى الأفراد فقط بل مس كذلك الجماعات و الجغرافيا كذلك ،حيث ترسخت في الوعي بعد اللاوعي، صور نمطية لا تتزحزح. فالريف أصبح رمز للجريمة المنظمة و تجارة الكيف، و الأطلس المتوسط رمزا للدعارة و النشاط ، و ايت باعمران رمز الحسناوات الحوريات،و عبدة رمز الجرة و العيطة، اما الرحامنة فهم مساخيط السلطان" سرغن برغن ديرو في الماء ما يرغن" ، و أهل سوس هم البخلاء"السقرامة"، أما أهل العاصمة الرباط فسموا "مسلمين الرباط" و أهل فاس بذوو العرق اليهودي ، أما في الثقافة المحلية فحدث و لا حرج،و التحفظ عن الإسهاب في البسط هنا هو من باب المسؤولية الأخلاقية حتى لا نغذي العقول الصغيرة بما تحتاجه لإشعال الفتنة.
فهذه نعوت أصبحت تشكل عقدة للمنتمين لهذه المناطق لما لها من حمولة لغوية تبخيسية و قدحية،تعمل بشكل او باخر على تدمير روح الانتماء للوطن ،الأرض، و تشكيل عقدة الذنب،عوض تنمية روح الاعتزاز و الافتخار للمنطقة و للوطن.
و هذا وضع خلقه بوعي او بدونه من يريد لهذا الشعب و لهذا الوطن ان يفقد هويته وذاكرته، انتماءه و تاريخه،
فالريف و عبر التاريخ كان القلعة الحامية للأطماع الاستعمارية،و التي احتضنت المقاومة و الثورة،
و الأطلس المتوسط كذلك و سوس و الرحامنة و عبدة و ايت باعمران و اهل الصحراء،هذه المناطق العرقية و الجغرافية كلها تشكل أرضا وشعبا لمغرب واحد عبر التاريخ،توحد في مقاومة الاستعمار و الانتفاضة ضد الظلم.
أما على مستوى الأفراد فلا يوجد أكثر من التقدير و الاحترام المتبادلين كتحفيزلانتاج جيل متضامن ،و لا أدل على ذلك من المجتمعات الشرقية القصوى بآسيا، فرغم شظف العيش و قسوة الظروف الطبيعية الا ان تقدير الذات و الآخر يبقى القيمة و الميزة التي أبلغتها مستويات متقدمة على كثير من الأمم.
و ليس أكثر من قوله تعالى اصدقا ان الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين.