صحراء نيوز - سيدي افني
إختارت عنوان السر ، لأحكي تجربة عشرين سنة من حياتي ، بانتصاراتها و انكساراتها ، حكايات وفاء و حكايات خيانة مقربين و اصدقاء ، تقاطعت حكاية حياتي مع حيواتهم . و تعمدت أن تبتدأ اليوميات من لحظة شكلت فاصلا حساسا في تجربتي الإنسانية و النضالية ، لحظة أحسست فيها بيد الغدر القريب مرة أخرى تفترس ماتبقى في من ثقة في نخب آيت باعمران ،التي مافتئت كل مرحلة تاريخية تبيعنا بخيانة بئيسة ، لحظة انقضاض ستة أمنيين علي، بمدخل أوطيل أنزي بأكادير ، حيث مقر إذاعة Mfm الواسعة الإنتشار …. كنت في ذاك المساء الشتائي عام 2014 ، على موعد مع الصحافي الباعمراني مدير البث بالإذاعة ، السيد ابراهيم بوليد الرئيس الحالي للمجلس الإقليمي ، لإجراء حوار مباشر على اثير البث الوطني ، موضوعه فيضانات 2014 ، و إقليم إفني المنكوب .
شاءت الأقدار أن أكون في تلك الفترة من شتاء عام 2014 ، و في لحظات كثيرة ، نقطة التواصل الوحيدة بين إقليم إفني و العالم ، و بين أبناء آيت باعمران و عائلاتهم عبر القارات ، وبين وسائل الاعلام الجهوية و الوطنية و الدولية و معلومات مايقع في المنطقة .
أقلتني سيارة الأجرة بمحاذاة الباب الأمامي لفندق أنزي . إتجهت صوب حارس البوابة ، كنت أعرف أن مقر الإذاعة يوجد به ، فقد أجريت به حوارا سابقا منذ سنوات ، لكني نسيت المكان تحديدا. رد علي الحارس السلام و أجابني قائلا : الإذاعة كاينا من جهة الباب التحتاني . و أشار علي بالسير في طريق طويلة و ملتوية باردة ، من خلالها سأصل الى باب الإذاعة . شكرته و مشيت طريق الأخطار .
كنت أمشي خطواتي بين بنايات أنزي الشاهقة ، و أشجار باسقة في تلك الطريق القارسة ، و أصوات تملأ رأسي ، تذكرت معها إتصالات اصدقاء ، و صحافيين ، و مناضلين ، ووساطات جهات رسمية ! و منتخبين …. : واسي محمد بلاش ماتمشي لداك الحوار ، ولكن انت راسك قاسح غادي تمشي … و أخرون : و الرئيس واش زاعما انت داير الثقة فبوليد را غار بغا يجيبك ليهوم !
مكالمة هاتفية…..
ابراهيم بوليد : مرحبا البطل ، كي داير
محمد الوحداني : سلااام سي ابراهيم ، الحمد لله ها حنا مع الوقت .
ابراهيم بوليد : برافووو عليك الفايس تاعك سلط الضو على النكبة تاع آيت باعمران ، آش بان لك في شي حوار حول الموضوع ….
الوحداني : في الحقيقة هادي وقتو الله يكبر بك ، على الاقل نفكو الحصار الاعلامي على المنطقة ، را شفتي التلفزة و الاعلام مرة اخرى مهمش ايت باعمران ، بحال الى ما وقع والو ….
بوليد : صحيح ، انا را متابع الصفحة تاعك ، و في الحقيقة انت اللي تصلح تفضح مايقع في الاقليم ، غير شوف آ الزعيم الحوار غادي نديروه بلا ماتجي ، علحقاش ممكن اكون شي خطر عليك ، اش بان لك نديروه هاتفيا ، احسن و حماية لك البطل ديالنا …؟
الوحداني : قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا ، ربي الى كتب علي الخبس غادي نمشي ليه ! و زايدون الحبس انا معول عليه دائما ، هاد الحكرة و القهرة كثيرة بزاف ، را شفتي آش كتبت في الرسالة المفتوحة للملك ، السجن او الموت ارحم.
بوليد : الله يهديك اسي محمد ، المهم عول على الحوار غدا ، و بالهاتف ، آش داك لشي حبس اوا .
مر الحوار هاتفيا ، و كان ساخنا و مثمرا ، تكلمنا فيه عن إقليم إفني المهمش و المحكور ، عن المواطنين الذي يبيتون في العراء ، عن نكبة الاقليم و انقطاعه عن العالم ، منازل تهدمت ، و طرق و قناطر حملتها السيول الجارفة ، عن الخصاص المهول في الماء و الكهرباء و الغداء و الغطاء ، عن يأس الناس و فقدهم الثقة في المستقبل و المؤسسات ، عن الميزانيات التي نهبت … طالبت في الحوار بأن تتحمل الدولة مسؤوليتها الوطنية و التاريخية إزاء احد اكثر القبائل وطنية عبر تاريخ المغرب . و صرخت بأن حالات وفاة عديدة يعرفها الاقليم بسبب انعدام الدواء و المواصلات او انهيار الطرق و القناطر ، و استمرار سيول الامطار ، و جثثا تنهشها بفظاعة الحيوانات الضارية و الاليفة ….
كل هذه اللحظات استرجعتها وانا في طريقي الى المؤامرة / الحوار . حدسي كان يراوحه شك ممزوج بثقة خارقة و خرقاء بأن أحد الباعمرانيين لا يمكن أن يتأمروا علي الى هذا الحد ! في لحظة و أنا في منتصف الطريق داخل أوطيل أنزي ، برق في ذهني رجع مناقشة مع احد الأصدقاء حينما قال لي : علاش مادار بوليد خبر الحوار معك في الصفحة ديالو ؟ هداك فراسو شي حاجة ! إتصلت يومها ببوليد و بعد كلام عام ، قلت له : سي ابراهيم شفتك مادرتي والو في الصفحة تاعك حول الحوار تاع نهار الإثنين ، فأجابني وصوته يتهدج : لا ، علاش ؟ را كاين ، درتو …. دخلت بعدها صفحته لم يكن الخبر منشورا . حاولت ان أنشر الخبر الذي كتبته في صفحتي على حائط حسابه الفايسبوكي، لكنه لم يرخص لمنشوري بالظهور …. كم كنت غبيا !
مكالمة هاتفية ….
ابراهيم بوليد : مرحبا الزعيم ديالنا ، كي داير و كي دايرة آيت باعمران …؟
محمد الوحداني : اهلا و سهلا سي ابراهيم ، بصاحتك دوك المساعدات تاع الراديو لساكنة اقليم افني إشارة و تقدير كبير لآيت باعمران ولتاريخها ……
بوليد : هداك اقل واجب ، شوف آش بان لك اسي محمد في شي حوار مباشر يبث وهاد المرة وطنيا .خاصنا شي واحد من الشعب يتكلم على المضرورين و المواطنين ،و الحمد لله رانك معروف في البلاد كلها وهادي فرصة تكلم فيه على نكبة الفيضانات و انت من اكثر المتابعين الآن لهاد لملف في الاعلام الوطني ، غادي تكون في البلاتو تاع أكادير ، و الحكومة غادي يمثلها الرباح وزير التجهيز المسؤول على الطرقان و القناطر التي طاحت ، و على السدود اللي مادارت والو !
الوحداني : ok ، ها انا موجود ، هادي نيت فرصة ، تعرف الحكومة و الشعب المغربي ، بأن الاقليم تاعنا منكوب و فيه ضحايا و موتى ، و را عندي المعطيات الرقمية و الاسمية تاع كل شئ . على بركة الله .
وأنا أقترب من البوابة الخلفية لأوطيل أنزي حيث مقر إذاعة Mfm ، تهاطلت سيول كل هذه الوقائع و المكالمات و محاولات كثيرين ثنيي عن الحضور الى هذا الحوار الإذاعي ، وإصرار بوليد على حضوري الجسدي هذه المرة ، بعد أن كان مصرا على إجراء الحوار الأول هاتفيا ، لأن حضوري فيه تهديد لسلامتي و لحريتي وكما قال أنذاك : أنت مبحوث عنك ، يجب أن نحافظ عليك ، يحب أن لا نغامر بك . ماذا تغير الآن إذن ؟ فأنا مازال مبحوثا عني .
كنت أستبعد أن يدخل ابراهيم بوليد في أي مؤامرة ضدي ، أخر مكالمة كانت معه كانت في منتصف نهار يوم 15 ديسمبر 2014 .
مكالمة هاتغية …..
الوحداني محمد : السلام سي ابراهيم ،إتصلت معك للتأكد من أن الحوار باقي كاين ، لا يكونو ضغطوا على الراديو باش يلغي البرنامج ؟
ابراهيم بوليد : مرحبا بالزعيم ، لا شكون غادي يضغط علينا ؟ حنا إذاعة خاصة ، و سي لحلو كاد على سواقو ، لاش زاعما قلت هاد الخبار ؟ فراسك شي حاجة …؟
الوحداني : ههههه بحال هكداك ، جاني اتصال من واحد السيد مسؤول و جزء من اللعبة د السياسة فهاد البلاد …
بوليد : آش اوا كتقول ؟!! شكون هذا ؟ آش بغا ؟
الوحداني : ههههه ….. المهم المصادر خليها ، هي و الاسماء …. السيد كيقول : يجب أن احترم المقدسات ، و العامل بلاش مانجبدو ، لأن الداخلية هاديك ، فاجابته : المقدسات اللي كنعرف هي الله و الوطن .و الملك أنا احترمه كملك و أقدره كأنسان لأني تعاملت معه مباشرة حينما استقبلني و احترمني . العامل ماشي مقدس ، العامل موظف .
بوليد : واااش باقي ؟
الوحداني : صافي ، قل لي آش من وقت غادي نجي إن شاء الله ؟
بوليد : حاول تجي بشي 45 دقيقة قبل باش نوجدو للبرنامج ، لأنه سيبث وطنيا و مباشرة .
حضرت قبل الوقت ب40 دقيقة و كل اتصالاتي باءت بالفشل مع السيد الصحافي ابراهيم بوليد ، و لم يجبني الا قبل اعتقالي بخمسة دقائق قائلا لي : داني النعاس !!!
لما وصلت بجانب باب إذاعة Mfm رأيت تحركات غريبة ! و أشخاصا موزعين على أماكن متفرقة ، و يتبادلون النظرات … حينها علمت بأن المؤامرة إكتملت حلقاتها ، و أنني سقطت في الفخ .
أكملت سيري ، و عاودت الإتصال ببوليد ، ولكن الهاتف يرن دون أن يجيب بوليد ! ، إبتعدت مايقارب الكلمتر عن الإذاعة ، لم يتبعني أحد !
حينها فقدت الثقة في العالم . أبي الذي أعتبره صديقي و أخي خفت عليه من أن أتصل به وأخبره بما وقع .خديجة زيان ، ورطتها في الاعتقال عام 2008 ، حينما زارتني في السجن ، و وصلني خبر أن أمها قالت لها : ها السخط الى خرجت باقي ناضلتي . أخي عزيز كنت على خصام معه لأنه أصر على عدم حضوري لإجراء الحوار ، فكان ردي قاسيا عليه في أخر مكالمة معه ، وقطعت بصلافة مكالمتي معه في وجهة ! أخي جمال يعتبر كل ما أقوم به من نضال دعوة الى الفتنة و الخروج على ولي الأمر المحرم شرعا . الوحيد الذي ثقت فيه لحظتها وقلت ابدا لا يمكن أن يخونني هو : لحسن بولقطيب لأنني خبرته ، لا يمكن ان يشترى بالمال او بالإغراء او أن يتخلى عني بالتهديد ….. إتصلت به : قلت له بعد 15 دقيقة إتصل بي إذا وجدت الهاتف مغلقا ، أخبر أخي عزيز كي يخبر أهلي بأنني : إما أختطفت، أو أعتقلت ، وودعته ، و أوصيته بانني أحب آيت باعمران حتى الموت أو السجن …..
و هاهو رقم بوليد أبراهيم يظهر على شاشة الهاتف … و أخيرا قررت أن أتجه صوب حتفي ……. يتبع