صحراء نيوز - سيدي افني
وما إن نزل بوليد ابراهيم ، حتى وضعت الهاتف المغلق على أذني ، ولأربك الأشخاص الذين قدموا الي في السيارة /الفخ ، تظاهرت، رافعا صوتي انني أكلم أحدا ما : نعم ، أنا الآن أمام مقر الإذاعة مع بوليد ، و هناك أشخاص يحيطون بالسيارة ! بدأ أولئك الغرباء يدقون زجاج نافذة الفخ ، و يحاولون فتح الباب الذي أغلقته ، كنت أفكر بسرعة من يكونون؟ بالتأكيد ليس أولئك الذين قال عنهم الغادر الغدار : هم مواطنون يحملون ملفا لي لأنشره و أتحدث عنه في الإذاعة .
توارد الى ذهني ، أنهم عصابة تريد خطفي ، وأنهم جهاز أمني سري ،يخدم مصالح خاصة لجهة ما ، وكيف إنتهى "موناصير في مستنقع مرسى اكادير" ، وكيف إنتهى بها على سكة قطار مجرد أشلاء ، كيف "انتهى الزايدي في سيارته في طريق عمومية غارقا في شبر ماء" !!! كيف إنتهى "المهدي بنبركة "، بمؤامرة إجراء شريط وثائقي ، في حوض مادة حارقة تذيب اللحم و العظم ….. من قتل وزراء و قادة عالميين و مناضلين أيضا ، لن يغلبه أن يقتلني أنا أيضا .
مرت تلك اللحظات العصيبة ، كأنها شريط حياة يمر بسرعة ، أو مثل تلك اللحظات التي يغرق فيها الإنسان و يرى حياته تمر أمام عينيه و هو يتجه الى حتفه الى عمق غرقه . بوليد واقفا يتفرج في بقية دوره !
كان الجو ذلك المساء شتائيا، السماء مكفهرة سوداء ،ملبدة بالغيوم .وقد عرف المغرب تلك السنة فيضانات في مختلف جهات المملكة ، كنت مرتديا معطفا أسود ، و حذاء رياضيا …. الله القادر فوق السماء المكفهرة ، و السيارة الفخ رابضة في مستوقف الإذاعة، الغرباء أحاطوا بي من كل الجهات ، الساحة خالية على عروشها ، تبادلت نظرات سريعة معهم ، قبل أن انزل من السيارة قرأت الشهادتين ، توجست أنها النهاية ، هنا باعني بوليد ، هنا في هذا المكان القفر انتهت قصة حياتي ….
استرقت نظرة اليه ، فاحنى رأسه المثقلة غدرا ، و تأمرا ، إسود وجهه كشيطان أخرق ، بطنه المتدلية ، كأنه حابل بعار القبائل كلها ، كمن يعيش مخاضا يلد فيه مؤامرة جديدة ! سيتذكر التاريخ ، تاريخ الوطن و تاريخ آيت باعمران على مر كل العصور، أن الوحداني إختلف مع كثيرين و بشراسة أحيانا ،لكن المختلفون معه لم يصلوا ابدا الى هذه الخسة و الدناءة ، سيظل الوحداني رمزا للوفاء لأهله ، و سيظل هو أكبر رمز للخيانات في تاريخ آيت باعمران . كل شئ سيمضي لكن تاريخ كل واحد سيظل شاهدا عليه ، حتى يرث الله الآرض ومن عليها .
أقبل علي أكثر من سبعة من الغرباء ، وقفت ثابتا مستعدا لأسوء الإحتمالات ، طلب مني أحدهم بطاقة هويتي ، فقلت له: من أنتم لأسلمكم بطاقتي ، هل كل من صادفته في الشارع العام أسلمه هويتي ؟! إنقض إثنان من الغرباء على يديي ، حينها شككت في الأمر أرادت أن أقوم برد فعل ، و جلت بنظري في الأنحاء ، لا أحد غير بوليد واقفا يتفرج ! لم يقترب منه أحد ! في لحظة سريعة أخرج واحد منهم بطاقة واعادها الى جيبه ، كان شعار الأمن الوطني واضحا فيها ، و رأيت احدهم وراء الأشجار يحمل راديو ويتكلم فيه ، حينها تيقنت أنهم رجال أمن .
كانوا بلباس مدني ! وقلت لهم : الآن هاهي بطاقتي ، اخدها و انسحب ، ثم اراد سحبي الأمنيون الى جهة مقابلة الى المكان الذي اعتقلت فيه ، فقلت لهم ، من فضلكم أنا سأذهب معكم دون أن يضع اي أحد منكم يده علي ، الى أين سنذهب فقط ؟ فاجابني واحد منهم الى السيارة ، لم تكن هناك اي سيارة رسمية ، فقط سيارات خاصة . ذهبنا خطوات جهة السيارات ، حينها قال بوليد : أنا سأنقل حرفيا أن الوحداني أخده بعضهم بلباس مدني ! أنتم تعرفون أن الجميع في إنتظاره على أثير راديو Mfm !!! صعدت السيارة ، كانت سيارة عادية من موديلات سيارات القرن الماضي ، وضعوني بدون قيود بين إثنين منهم ، و بدأ احدهم ينادي : و الحاج هيا بنا ! بعد هنيهات قليلة جاء وجه جديد منهم خرج من وراء جذع شجرة ضخمة ، حاملا هاتفا ، ليخبرهم أن الخطة تغيرت !!! هناك من سيأتي من ولاية أمن أكادير ليأخدني اليها . تذكرت حينها إتصالا هاتفيا خلال الأيام السابقة.
المكالمة :
وا سي محمد الله يرحم لك الوالدين ماتمشي للحوار د بوليد . و حتى التليفون تاعك ماتشعلو باقي ، حيد الشريحة د الهاتف ، را غادي تجي فرقة خاصة من الرباط تقلب عليك و تحدد المكان تاعك من خلال الهاتف …. ولكن انت راسك قاسح غادي تخلي الهاتف مشعول و غادي تمشي للحوار ……….
جاءت سيارة مهيبة ، يسوقها شخص تظهر عليه علامات أنه مسؤول كبير ، لباسه أنيق جدا ، وجهه حليق ، و أثار النعمة بادية عليه ، عطر السيارة ، و عطر الرجل راق ….. أنزلوني من تلك السيارة الخردة و اركبوني السيارة الباذخة ، مجهزة في داخلها باجهزة تواصل متعددة ! إنطلقت السيارة .
مكالمة :
الرجل المهم : نعم سيدي ، المطلوب موجود معنا في السيارة . هل هناك من تعليمات أخرى السيد الوالي .
وبعد أن إستمع الى تعليمات السيد الوالي انهى المكالمة .
كنت أجهل نهاية كل هذه المؤامرة ! بدأت السيارة تتحه صوب ولاية أمن أكادير . السائق المهم بجانبه واحد كان يتبادل معه اطراف الحديث ، وانا بين إثنين من الغرباء الأمنيين ! حينما دخلنا الى داخل حرم الولاية ، اسحب السائق المهم الذي كان بوليس الولاية يؤدون له تحية صارمة ، ومعه رفيقه الجالس بجانبه . كنت مع الإثنين ، وهم واقفين بجانبي يحرسانني ، فاذا ببعض رجال الأمن قادمين من احد الردهات ، و لما وصلوا قربنا ، قال احدهم لنا نحن الثلاثة : شكون انتوما اش كتديروا هنا ؟
لحظتها أجاب احدهم بسرعة : حنا جينا مع نائب السيد الوالي … ثم انفرد بهم و بدؤوا يتاهمسون ، ثم عادوا . نظر الي احد بوليس الولاية وقال : و ايييه السيد الرئيس ، ثاني جابوك ، الله يحد الباس اسي الوحداني ، وذهب …..
طلبت من احد الحراس ان أذهب الى المرحاض ، قاجابني ، يجب أن نأخد الإذن ، قلت له : انا را مزير دابا واه دقيقة واحدة و فين كاع غادي نهرب هنا ؟!! و لا را ماعندي مشكل نقضي غرض غير هنا نيت …
فبدأ يضحك ، وقال لي انت تديرها معيط اسي الوحداني . كان هناك مرحاض قريب اتجها معي صوبه . دخلت اليه و لزما هما بابه . بعد اقل من دقيقة خرجت .
هاهو رئيس الشرطة القضائية الولائية قادم و معه بعض البوليس ، تسلموني من الأمنيين الغرباء و ودعوهما …. أخد المسؤول الولائي هاتفي ، و أدخلني الى غرفة التحقيق .
استأذنت في الجلوس . فقال لي : مرحبا .
غرفة التحقيق ، فيها أكثر من مكتب ، و امتﻷت حركية ، دخل أكثر من رجل أمن بلباس مدني و لباس ميري ، يتفرجون على معتقل بروفايل خاص : وجه معروف اعلاميا ، و كاتب مقالات،و مناضل و حقوقي و رئيس بلدية سابق ، الفرجة و التشويق …..
دخل أحدهم ، مع بوليسي ، و جلس ، سلم علي ، ظننته معتقلا ، احضروه للإستنطاق … نظرت اليه ، سبق لي ان جالسته او صادفته ، قال لي : السيد الرئيس ياك مامحتاج شي حاجة .
قلت له : كأس ماء . أجابني : سمعا ، كرمك سابق السيد الرئيس ! خرج ، وبدأت احاول ان اتذكر اين رأيته .
دخل حاملا معه قنينة ماء ، توجه الي قائلا : من فضلك خدها افتحها ، إنها مغلقة و غير مستعملة ، تسلمتها ضاحكا و فتحتها ،و قبل أن أشربها ، خطفها من يدي ، و صب منها كأسين واحدة له و واحدة لرفيقه .
ثم سلمها الي و بدأ يشرب من كأسها هو و صاحبه . قائلا : اوا دابا شرب مع راسك ، باش ماتقول البوليس شربوك شي حاجة هههه في الماء ! شربت كأس ماء ، و أتبعتها ثانية . ثم قلت له أين رأيتك بالله عليك ؟
قال لي كنا في مهمة في افني ، و انتهينا متأخرين و بما أن المقاهي أغلقت لم نجد ما نأكله ، و صادفناك و استفسرنا عن مكان لنتعشى فيه ، فقلت لنا : هاد الوقت ماغادي تلقاو والو ، يلاه تعشاو معيا انا باقي ماتعشيت و انتوما و زهركم ، ولكن مايمكن تجو لآيت باعمران و تبقاو بلا عشاء ….و ذهبنا معك و أكرمتنا دون أن تعرفنا .
و ودعني و قال لي : قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا ، الله يخفف ، ياك مانجيب لك شي ماتاكل ، را ماشي غار آيت باعمران اللي فبهوم الكرم ، المغاربة كلهم فيهم الكرم .
قلت له : الله يرحم الوالدين ، و الله يسقينا و يسقيك من زامزم . ثم بدأ التحقيق . اسمك و اسم ابيك و امك و تاريخ ازديادك ، معلوماتك الشخصية موجودة عندنا .
قبل ان يكمل المحقق استنطاقه ، دخل مسرعا احدهم ، نظر الي وقال لي على سلامتك ، ماغادي يستمعو لك هنا في اكادير ، سيستمعون اليك في افني ! و هذا أخف الأضرار .
قلت لهم اريد أن أجري المكالمة القانونية المسموح لي بها ، كي اخبر عائلتي بانني معتقل ، فاجابني أنت باقي ماشي معتقل هههه ، ممكن تكون في حراسة نظرية ، ممكن بعد الاستماع لك تتابع في حالة سراح او لما لا حفظ الملف.
مرت اكثر من ساعة و نصف و انا في انتظار المكالمة القانونبة لأخبار أهلي .
استأذنت في الذهاب الى المرحاض مرة ثانية ،خصوصا انني اعاني من ارهاصات البروستات ، كان الوقت ليلا ، و الظلام شديدا ، اتجه معي احد البوليس الى حيث المرحاض ، دخلت و خرجت بسرعة ، وجدته يتكلم في هاتفه ، و كانت سيارة أمن كبيرة مركونة هناك بجانب غرف الخدمات الصحية ، كان هناك اثنان يتحدثان : شكون هادوك اصاحبي لجابو الوحداني د افني ، سمعت انهم من الرباط !!!
عاد بي رجل أمن بجانب غرفة التحقيقات ، هاهو رئيس المنطقة الولائية للشرطة القضائية ، قادما الينا ، قائلا لي : ستتجهون الى افني ….
فقلت له : أريد أن أجري مكالمتي القانونية مع اهلي ، قال لي : صافي غير تحركوا را صدعونا عليك باش تمشي لإفني ، غادي نقول لواحد في الدراري تاعنا اللي غادي يمشو معك يعطيك التلفون تتكلم مع الواليد ، و لكن ماطول .
اقلوني سيارة الأمن ، كانوا اربعة السائق ،و ثلاثة رجال أمن ، خرجنا من الولاية ، ثم بعد لحظات جاء احدهم بجنبي و اراد وضع الأصفاد بيدي ، فقلت له : لاش ؟
فقال لي : استاذ رانك قاري و عارف القانون ، فقلت له: القانون غار عليا انا اما حقي في المكالمة القانونية اللي كيضمنها ليا القانون ، هاديك ماشفتوها ، و تبليغي بانني مبحوث عني قانونيا هاديك حتى هيا بلاش ، و حقنا حنا آبت باعمران اللي عاطيه لينا القانون و الدستور هاداك حتى هو بلاش …..
ثم قال له احدهم صافي اصاحبي بلاش ! فاجابه انت عارف اش كاين !!!
ثم توجه الي قائلا : را مزيان الرئبس يدوز المينوت في يد الواحد ، را كيحد السحور ، صحكت و قلت له ، عندك الصح انا نيت مديور ليا السحور ، ماكيبان ليا غار آيت باعمران … فسلمته يدا واحدة فقط فصفدها مع جزء من حاجز حديدي ، و إنطلقت صافرة السيارة تقطع صمت الليل و الطريق وكان الأمن المغربي ، اعتقل زعبم خلية ارهابية ، كانت تريد تفجر العاصمة . فقلت له: ياك اودي لاباس .
فاجابني انها المسطرة ……………. يتبع