يحيى عضاض /أكادير
يلعب الإعلام دورا هاما في كل الدول والمجتمعات المحلية والعالمية، وذلك من حيث تعبئة الرأي العام العالمي بالأخبار والمعلومات؛ مما يزيد من مدى ثقافة الناس وإدراكهم بهمومهم وقضاياهم المصيرية، وبالتالي تفاعلهم مع المجتمع الذي من حولهم دون إثارة النعرات الطائفية بين الشعوب أو العمل لصالح طرف دون الآخر، أو لصالح جهة سياسية معينة لتحقيق أهدافها على حساب الآخرين؛ الشيء الذي يؤثر بالسلب على الوضع العام داخل المجتمع، ويسير به في غير مساره الطبيعي.
ولا شك في أن للإعلام دورا هاما فى تغذية المجتمع بالمعلومات والحقائق عن كل ما يحدث فيه، ويفيد المواطن في الوقوف على كل المستجدات، خاصة فيما يتعلق باتخاذ القرارات الهامة والمصيرية، إذا كان إعلاما حقيقيا يمارس مهامه بكل حرية، ويعمل من خلالها الجسم الإعلامي لأداء رسالته النبيلة، ليكون رأيا ناصحا وعينا ناقدة ورسالة سامية، دون أن يتورط في معارك نفوذ الأفراد والمجموعات الضاغطة والدول المؤثرة، التي بسببها يفقد الإعلام مهنيته ومصداقيته وموضوعيته.
ولا يختلف اثنان اليوم بأن ما صدر عن الرئاسة التونسية في الأسبوع الماضي تجاه المملكة المغربية، دفع الإعلام المقروء والمواقع الإلكترونية الإخبارية بتجنيد كل أطقمهما وأطرهما للرد على الرئيس التونسي "قيس سعيد" الذي تجاوز كل الحدود والأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية بعد استقبال لممثل "تبون" في قمة (تيكاد 8 )؛ حيث ساهمت بعض المواقع الإلكترونية بشكل كبير في الرد على خصوم الوحدة الوطنية من خلال رصد ردود أفعال النخب السياسية في المغرب وتونس وفرنسا وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني عبر العالم، والتي أدانت تصرفات الرئيس التونسي "قيس سعيد" الذي استقبل زعيم الكيان الانفصالي "بوليساريو" في قمة (تيكاد 8) اليابانية -الأفريقية المنعقدة في تونس العاصمة، دون احترام لا لقواعد الاتحاد الأفريقي ولا لحرمة وتاريخ الدولة الراعية لهذه القمم والدعوات الموجهة للوفود والشخصيات المشاركة؛ حيث واكبت بعض هذه المواقع الإلكترونية المغربية هذا الحدث المسيئ لقضيتنا الوطنية، ونشرت عشرات المقالات حول ردود أفعال شخصيات تونسية ووطنية ودولية، توضيحا للواقعة، وتبيانا لحيثياتها ومقاصدها وغاياتها.
وفي ظل هذه الفضيحة السياسية للرئيس "قيس سعَيِّد"، أصبح المغرب في حاجة ماسة الى تحرير قطاع الإعلام المرئي بشكل يسمح لقنوات تلفزيونية خاصة بالعمل وفق الضوابط القانونية والمهنية، لتكون سلاحا فتاكا من أجل الدفاع عن مقدسات الوطن والتصدي لكل من سولت له نفسه المساس بالوطن ومقدساته، ومواجهة أمثال هؤلاء الحاقدين على بلادنا دون أدنى تدخل من المملكة والصحافة الوطنية وزعماء الأحزاب والمثقفين الكبار، لتبقى القنوات العمومية والموقف الرسمي الدبلوماسي بعيدا عن التصريحات التي تؤجج وتؤزم العلاقات بين الدول، حتى إذا ما كان هناك احتجاج من طرف دولة ما على تصرفات بعض القنوات المغربية الخاصة في مهاجمة بعض الدول بسبب إضرارها بالمصالح العليا للوطن، فإن الدولة المغربية ستجيبهم بأن هذه القنوات حرة لا تمثل القرار الرسمي للمملكة المغربية، ولا يمكن التدخل في مهامها الإعلامية والإخبارية -وعلى المتضرر أن يتوجه الى القضاء- وإنما هي أراء المجتمع و الإعلام الخصوصي الذي لا سلطة للدولة عليه طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وأن حرية الإعلام مكفولة بقوة القانون والدستور؛ وهذه هي الوسيلة الفضلى التي ستجعل أعداء الوحدة الوطنية يفهمون رسالة المغرب والمغاربة والمجتمع المدني؛ لأن القطاع الإعلامي الخاص من شأنه أن يرد بالمثل على كل الذين لا يحترمون مشاعر المغرب والمغاربة نحو مقدساتهم وثوابتهم الوطنية. وبهذا التدبير سيضرب هؤلاء الحاسدون لنا ألف حساب قبل أن يتصرفوا تصرفا مسيئا للمملكة المغربية.
ونظرا لأهمية الإعلام في مثل هذه القضايا الحساسة، فإن المغرب أصبح اليوم في حاجة ماسة إلى قنوات تلفزيونية خاصة لشن هجومات قوية على أعداء الوحدة الوطنية؛ كما تفعل بعض الدول الكبرى والصغرى، حينما سمحت بتكثير القنوات الإعلامية الخاصة المرئية، ورخصت لها بهدف إرسال رسائل لمن يهدد أمنها وسلامتها واستقرارها، ويعارض مصالحها الاستراتيجية والسيادسية. وهذه القنوات إن كتب لها أن تخرج إلى حيز الوجود بالشكل الذي يلزم، سيكون من ثمارها ونتائجها لجم كل من يفكر في المس بقضية وحدتنا الوطنية ومقدسات بلادنا التي لن نتنازل عنها مهما كانت التكاليف ومهما كبرت التضحيات.
ومعلوم أن المغرب عانى كثيرا من هجومات الإعلام الخصوصي الخارجي،(قنوات خليجية وأخرى فرنسية وغيرها) بسبب نشرها لتقارير إعلامية مغرضة. وحينما كانت المملكة المغربية تحتج على تصرفات بعض الدول المحتضنة لهذه القنوات الدولية، وتبدأ العلاقات بين البلدين في التأزم ترد الدولة "المشتكى بها" ببيان تؤكد فيه حرصها على حسن العلاقات مع المغرب، وأنها في قضية الصحراء تؤيد التسوية الأممية وقرارات مجلس الأمن الدولي والشرعية الدولية ومبادرة الحكم الذاتي وغيرها من عبارات المجاملات الدبلوماسية. وهي تظهر بذلك خلاف ما تضمر، هدفها من ذلك هو تركيع الخصوم وترويضهم ومنعهم من الخروج عن سيطرتها وتحكمها، لتؤكد في الأخير أن هذه القناة أو تلك لا تمثل الرأي الرسمي للدولة المحتضنة لها، حتى تبقى في نهاية المطاف هي الآمر والناهي في المنطقة.
وهنا وجب مواجهة هذه التحديات بالمثل من خلال شن هجمات إعلامية بواسطة الإعلام الخصوصي الذي يربك خصوم الوحدة الترابية. وكلنا نتذكر تصريحات شباط والريسوني الأخيرة حول موريتانيا وتدخل المغرب في الأخير وتأكيده أن تصريحات هؤلاء لا تمثل الرأي الرسمي للمملكة المغربية تجاه الجارة الموريتانية، لكي تكون الرسالة قد وصلت بغير المباشر، آملين من ذلك "حسن الجوار والوقار".
وحين كانت الدول العربية والإسلامية تحتج على الرسومات المسيئة للرسول (ص)، التي نشرتها صحافة الدول الغربية كفرنسا والدانمارك والنرويج وهولندا وبريطانيا وأمريكا، وتبدأ الدول العربية في التنديد والشجب والتلويح بالمقاطعة الاقتصادية للشعوب العربية لمنتجات تلك الدول، يخرج الرئيس الفرنسي أو غيره ببيان توضيحي يؤكد فيه أنه ضد الأعمال العدائية التي تسيئ للأديان، ويؤكد لأصدقائه في الوطن العربي والإسلامي أنه لا يستطيع التدخل في قمع الصحافة، وأن الحرية عند تلك الدول هي الأصل، وأن القضاء هو المخول الوحيد للنظر في جرائم الصحافة، وأن ذاك الرأي لا يمثل الدولة الفرنسية التي تكن كل الاحترام والتقدير للرسول محمد (ص) ولكل الأديان، مع العلم أن الحرية ليس هي الطعن والسخرية من الدين الإسلامي الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، ناهيك عن أن هذه الرسوم التي تنشر هنا وهناك تكون أحيانا بإيعاز من الدولة نفسها لتركيع الدول العربية وابتزازها والسيطرة عليها وترويضها في قضايا استراتيجية معينة، وتهيئتها لأجندات إقليمية ودولية معينة.
إن الإعلام بصفة عامة في علاقته بالأمن القومي، يشكل إحدى الأزمات المحلية والإقليمية والدولية التي يواجهها المجتمع الدولي والمحلي والإقليمي على وجه العموم، ومجتمعنا العربي على سبيل التحديد والتخصيص؛ حيث يتضح من خلال الدراسات المنجزة في هذا الباب، أن وسائل الإعلام عامة والإلكترونية الجديدة خاصة، تحتاج في تناولها وعرضها لكافة القضايا، إلى الالتزام بضوابط المسؤولية الاجتماعية بشكل أکثر عمقاً، وبآليات تراعي البعد الإنساني بما يخدم رغبة القارئ في الحصول على المعلومة، وبما يتوافق أيضاً مع مشاعر الجمهور وقيم المجتمع، وبما يخدم مصالح الأمن القومي للشعوب والمجتمعات.
وهو ما يبرز أهمية الإعلام في ترسيخ الأمن بمفهومه الشامل من خلال الابتعاد عن الممارسات التي تؤثر بالسلب على الأمن لدى المواطن الذي أضحى ضرورة اجتماعية ومنطقا أساسا للمحافظة على الأمن والنظام العامين. وهذا ما دفع المشرع إلى سن قوانين وأساليب الرقابة لحماية السلم والأمن للفرد والمجتمع من أي أخطار تهدده من خلال تأثير الإعلام والاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي، وانعكاساتها السلبية على الأمن بدافع الإثارة أو السبق الإعلامي أو المنافسة اللا مسؤولة واللا أخلاقية
فمتى، إذن، يتم تحرير قطاع الإعلام في المغرب ليكون سلاحا فتاكا في الرد على خصوم الوحدة الوطنية، الذين ينتهزون الفرص، ويتصيدون المناسبات للنيل من سمعة المغرب ووحدته الترابية؟
ويبقى تطور الإعلام رهينا بتحريره وانفتاحه على القطاع الخاص ليكون قاطرة للتنمية الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية، خاصة إذا علمنا أنه وفقا لأحدث المعلومات المتاحة ، فإن المغرب لا يحتوي سوى على 27 محطة إذاعية من نوع AM و25 محطة إذاعية من نوع FM و 6 محطات موجة قصيرة و8 محطات تلفاز، وأن «نصف المشاهدة المغربية تهاجر إلى قنوات أجنبية، من بينها 22 في المائة تتوجه إلى القنوات العربية و 28 في المائة تتوجه نحو قنوات أخرى، على عكس نسبة السماع إلى القنوات الإذاعية والتي تنحصر في 3 في المائة فقط.
فمتى يتم تحرير قطاع الإعلام ليكون أسدا هصورا يزأر ضد خصوم الوحدة الترابية والمناوئين للمملكة المغربية ولمقدساتها ورموزها وثوابتها، ويخدم قضايا المجتمع المغربي في شتى أبعاده وخلفياته؟